تخرج أول دفعة لطلبة الطب في تاريخ تونس بعد دراسة كاملة بالإنجليزية




شهدت كلية الطب بسوسة حدثًا أكاديميًا غير مسبوق في تونس، حيث تمّ تسجيل تخرّج أول دفعة من الطلبة الذين أتمّوا بنجاح المرحلتين الأولى والثانية من الدراسات الطبية باللغة الإنجليزية. وتكوّنت هذه الدفعة من 14 طالبًا، أغلبهم من الجنسية التونسية، وفق ما أكده الدكتور محمد بن ذياب، عميد الكلية.

وأشار الدكتور بن ذياب إلى أن هذه الدفعة تستعد حاليًا لاجتياز مناظرة الإقامة في الطب، وهي المرحلة الأخيرة والحاسمة ضمن مسار التكوين الطبي، والتي تُعدّ مدخلًا لمزاولة التخصصات الطبية. وأوضح أن كلية الطب بسوسة هي المؤسسة الجامعية الوحيدة على الصعيد الوطني التي تعتمد اللغة الإنجليزية كلغة أساسية للتدريس في المجال الطبي، وهو ما يمنحها طابعًا فريدًا ورياديًا في هذا المجال.

وقد شهد هذا البرنامج إقبالًا متزايدًا منذ انطلاقه، حيث تتلقى الكلية سنويًا أكثر من 100 مطلب ترشح، إلا أن الطاقة الاستيعابية لا تتجاوز 40 طالبًا سنويًا، ويرجع ذلك إلى النقص المسجّل في الكفاءات الأكاديمية القادرة على التدريس باللغة الإنجليزية، وهي إشكالية تسعى الكلية إلى تجاوزها عبر التكوين المستمر واستقطاب أساتذة جامعيين ذوي كفاءة لغوية وعلمية عالية.

وفي إطار توضيح أهمية هذا التوجّه، أشار العميد إلى أن الدراسة باللغة الإنجليزية تمنح خريجي الكلية فرصًا أكبر للاندماج في سوق الشغل الدولية، وتسهل لهم الولوج إلى أحدث المراجع الطبية والأبحاث العلمية، بما أن النسبة الساحقة من المنشورات الطبية العالمية تصدر بهذه اللغة. كما يُعدّ هذا التكوين خطوة استراتيجية نحو انفتاح المنظومة التعليمية التونسية على المحيط العلمي العالمي.

وفي سياق متصل، صرّح الدكتور سليم العسلي خلال مداخلة إذاعية على موجات "الديوان أف أم"، بأن تدريس الطب باللغة الإنجليزية يُعتبر ضرورة حتمية في ظل هيمنة هذه اللغة على النشر العلمي، حيث أن ما يقارب 90% من المقالات العلمية تصدر بالإنجليزية، مقابل تراجع ملحوظ في استخدام الفرنسية، التي أصبحت محصورة في نطاق جغرافي محدود.

وأضاف العسلي أن تطوير نموذج تعليمي متعدد اللغات يشمل العربية والفرنسية والإنجليزية، مع التفتح على لغات استراتيجية أخرى مثل الصينية، من شأنه أن يثري قدرات الطلبة ويوسّع آفاقهم الأكاديمية والمهنية، مع المحافظة على الهوية الثقافية واللغوية.

كما انتقد النقص في التكوين الجامعي العلمي باللغة العربية، معتبرًا أن هذا الفراغ ساهم في تدهور مستوى الإتقان اللغوي لدى عدد كبير من الطلبة. ولفت إلى أن تونس احتلت المرتبة 66 عالميًا في مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية لسنة 2024، ضمن فئة "الإتقان المنخفض"، بعد أن كانت في المرتبة 63 سنة 2023، ما يبرز الحاجة إلى تطوير السياسات اللغوية في المؤسسات التعليمية.

وختم العسلي بالتأكيد على أن التوجّه نحو اللغة الإنجليزية لم يعد مجرد خيار، بل أصبح ضرورة تفرضها التحولات المتسارعة في المشهد العلمي العالمي، مشيرًا إلى أن: "اللغة السائدة ترتبط بمن يهيمن على العالم علميًا وتقنيًا، واليوم، من يملك ناصية التقدّم يتحدث الإنجليزية".

أحدث أقدم

نموذج الاتصال