مع انطلاق أول رحلة لقطارات الخط "د" ضمن مشروع الشبكة الحديدية السريعة، الذي يربط بين القباعة ومحطة برشلونة، تم اختيار الشابة أنس السديري لتكون سائقة الرحلة، لتصبح أول امرأة تقود قطارًا في الشركة الوطنية للشبكة الحديدية السريعة، ضمن فريق يضم عشرة سائقين. وبذلك، تنضم إلى قائمة النساء اللواتي اخترن العمل في مجال النقل، جنبًا إلى جنب مع سائقات الحافلات والمترو الخفيف، في خطوة تعكس كسر الصور النمطية حول المهن التي كانت تُعتبر حكرًا على الرجال.
صعدت أنس إلى قمرة القيادة بكل ثقة، تفحصت الشاشة أمامها، وحركت أزرار التحكم بدقة، ليعلو صوت صافرة القطار بعد لحظات، مُعلنةً انطلاق الرحلة الأولى لهذا الخط الجديد. انطلق القطار بسرعة منتظمة، متوقفًا في المحطات السبع التي يمر بها، وهي منوبة، حي البرتقال، البرطال، باردو، الروضة، الملاسين، وبرشلونة، نقطة الوصول النهائية.
رغم أن هذه الرحلة تعد محطة جديدة في مسيرتها، إلا أن تجربة أنس في قيادة القطارات ليست حديثة العهد، فقد بدأت مشوارها المهني في مارس 2023 عندما انضمت إلى الفريق العامل على الخط الرابط بين تونس وبوقطفة-سيدي حسين. هذه التجربة مكنتها من تطوير مهاراتها في القيادة، والتعامل مع المستجدات الطارئة، إلى جانب تعزيز معرفتها الفنية والتقنية، التي صقلت شغفها وحلمها الطفولي في الجلوس خلف مقود القطار.
بعد حصولها على شهادة البكالوريا، التحقت أنس بدراسة اختصاص "طاقة إلكترونيك أوتوماتيك" في فرنسا، إلا أن شغفها بالقطارات دفعها إلى التقدم لمناظرة انتداب سائقي القطارات التي نظمتها الشركة الوطنية. وبعد اجتيازها بنجاح، قررت العودة إلى تونس لبدء مسيرتها المهنية في هذا المجال، معتبرة أن الفرصة التي أتيحت لها جاءت نتيجة اجتهادها ورغبتها في خوض التحدي.
تقول أنس إن تجربتها الأولى في الخط "أ" من مشروع الشبكة الحديدية السريعة مكنتها من تعلم العديد من المهارات المرتبطة بالقيادة والتعامل مع المواقف الطارئة. كما ساعدها ذلك على كسب ثقة الركاب، الذين كانوا في البداية يشعرون بالتوجس عند رؤيتها في مقعد القيادة، لكن مع مرور الوقت، أصبحوا يُبدون احترامهم وإعجابهم بقدراتها وكفاءتها، متجاوزين الأحكام المسبقة.
وتضيف أن النجاحات التي حققتها لم تكن ممكنة لولا الإمكانات الكبيرة التي وفرتها الشركة، من قطارات حديثة، ومسارات سكك مجهزة، وبرامج تدريب وتأطير مكثفة، مما أتاح لها العمل في بيئة تدعم التطور المهني والتميز في القيادة.
تؤكد أنس أن قيادة القطار تتطلب مهارات خاصة مثل التركيز العالي، اليقظة الدائمة، والقدرة على التصرف السريع في الحالات الطارئة. فالسائق مسؤول عن اتخاذ القرارات الصائبة التي تضمن سلامة الركاب، إضافة إلى التحكم الدقيق في القطار، الذي يبلغ طوله 108 أمتار، وأحيانًا يكون مزدوجًا ليستوعب حتى 2400 راكب.
في ختام حديثها، تأمل أنس أن يتحلى المواطنون بروح المسؤولية للحفاظ على مشروع الشبكة الحديدية السريعة، معتبرة أنه مكسب وطني سيساهم في تحسين جودة النقل الحضري في تونس، وتسهيل تنقل المواطنين نحو العاصمة وباقي المناطق.